Tuesday, May 17, 2005

فوز بلير التاريخي وغياب المحاسبة


أن الانتخابات البريطانية الأخيرة التي أعادت طوني بلير إلى مركز رئاسة الوزراء للمرة الثالثة على التوالي تشكل فوزاً تاريخياً لحزب العمل الذي لم يسبق له أن حقق مثل هذا النجاح في الماضي. فقد استطاع بلير التغلّب على كل الاتهامات التي وجهها له منافسوه وكسب مرة جديدة ثقة الشعب البريطاني الثمينة، نظراً إلى تاريخ هذا الشعب الرائد في مجال الديمقراطية والمحاسبة.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ماذا يعني هذا النجاح في ظل الوضع السياسي والأمني الدولي الراهن؟

أن هذا الفوز الذي كان متوقعاً، مثل فوز الرئيس الأميركي جورج بوش بولاية ثانية، لا يدل إلا على أن رئيسي الدولتين العظيمتين اللتين تسيطران بشكل كبير على عملية اتخاذ القرار على مستوى النظام السياسي الدولي لا يخضعان لأي نوع من أنواع المحاسبة.

أن ملوك الحرب على العراق الذين تجاهلوا احتجاجات المجتمع الدولي، ورغم أنه بات من المؤكد اليوم أن سبب دخولهم في هذه الحرب لم يكن له أي وجود، لم يخضعا ولا للحظة لأي تأنيب دولي أو شعبي.

لقد بات مؤكداً أن النظام العراقي لم يكن يخفي أي أسلحة دمار شامل، مما يعني أن السبب الرئيسي لاجتياح قوات التحالف العراق كان سراباً. وعلماً أن هذا الاجتياح قد أطاح بنظام صدام حسين الاستبدادي إلا أن الخطر المباشر الذي حثَّ الولايات المتحدة وحليفها البريطاني التاريخي إلى شن الهجوم العسكري لم يكن له أي وجود. مما يعني أن الولايات المتحدة وحلفائها قد قاموا بخطأ جسيم على صعيد العلاقات الدولية وهو شن هجوم عسكري على دولة لا تشكل تهديد مباشر، مما يحتم المحاسبة على الصعيد الدولي من قبل الأمم المتحدة سلطة الرقابة العليا، أو من سلطة المحاسبة الداخلية، أي الشعب.

فان الأمم المتحدة التي كانت مسؤولة عن التحقق من وجود أسلحة الدمار والتي لم تجزم يوماً بوجودها أو بعدمه والتي رفضت المشاركة في الهجوم العسكري على العراق لم تُحاسِب حتى الآن السلطتين الأميركية والبريطانية على هذا الخطأ رغم أنها الوحيدة التي تتمتع بأعلى سلطة مراقبة ومحاسبة على الصعيد الدولي. ويعود ذلك لضعف هذه المنظمة أمام إرادة الدول القوية مثل الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية بسبب تحكمهم بها بواسطة حقهم في النقد. فبالنسبة للكثير من المحللين، شكلت الحرب على العراق الضربة القاضية لهذه المنظمة الدولية. كما أثبتت هذه الحرب أن لا شيء يقف في وجه جدول أعمال الولايات المتحدة في الشؤون الخارجية.

أما على المستوى الشعبي فان هذه الحرب لاقت استهجاناً قوياً، نظراً إلى ما سبقها وتخللها من احتجاجات صاخبة من قبل الشعب الأميركي وخاصةً الشعب البريطاني مما أدى إلى انخفاض كبير في شعبية الرئيسين الأميركي والبريطاني حسب استطلاعات الرأي التي جرت في تلك الفترة. كما أن احتجاج الشعب البريطاني الذي وصف بلير بأنه يُبَدي تحالفه مع الرئيس الأميركي على إرادة الشعب البريطاني، دفعه إلى سلوك طريق الازدواجية الدبلوماسية مما أدى إلى وصفه بالكاذب من قبل منافسيه السياسيين البريطانيين خلال الحملة الانتخابية الأخيرة.

لكن رغم كل هذه الاحتجاجات والاتهامات فاز بلير كما فاز بوش وحققا أرقاماً قياسية في النجاح واختفى أي تأثير فعلي لهذه الاستنكارات.

قد يعترض البعض على هذا التحليل مشيرين إلى أن حزب العمل الذي يرأسه بلير حالياً حقق نتيجة مخزية كونه خسر عدداً كبيراً من المقاعد في البرلمان وأن هذه الانتخابات قد أضعفت رئيس الوزراء البريطاني، وأن السبب وراء ذلك يعود إلى غضب البريطانيين من الحرب على العراق التي جرَّ بلير بريطانيا للمشاركة فيها. كما أن إعادة انتخاب بلير تتعلق بالإصلاحات الداخلية التي قام بها.

لكن حتى لو صحَّ هذا القول فان فوزاً ثالثاً لحزب العمل، وإن كان ضعيفاً في ظل الوضع الحالي، لا يشكل محاسبة كافية. فلماذا لم يحاسب بلير كما حاسب الشعب الإسباني رئيسه السابق خوسية ماريا أثنار إثر اعتداءات 11 آذار؟ ان شن حرب غير مبررة والتضحية بجنود بريطانيين في الحرب على العراق قد يتساوى بالأهمية مع الخسارة التي نجمت عن الاعتداء الإرهابي الذي هزَّ إسبانيا العام الفائت.

ولكنني لا انوي من خلال هذا المقال أن أحمل كامل المسؤولية للشعب البريطاني الذي يمتع بأحقية كاملة لإعادة انتخاب رئيس حزب العمال الذي قام بإصلاحات اقتصادية داخلية جمَّة، تعني الشعب البريطاني أكثر من السياسة الخارجية التي لا تؤثر على حياتهم بالطريقة نفسها.

لكنني أعتقد أن هذه النتيجة المشرفة التي حصل عليها بلير وبوش لا تعني إلا أن هذين الرئيسين اللذين ارتكبا خطأً غير مبرر، ليس بنظري فقط بل بنظر شعوبهما والرأي العام الدولي، لم يحاسبا على أخطائهما بل على العكس كوفئا عليها.

0 Comments:

Post a Comment

<< Home